في خطوة جديدة تُضاف إلى سجلها المثير للجدل، أقدمت قناة “العربية” السعودية على بث مقطع مزعوم يُظهر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهو يقلل من دور الجزائر في حرب يونيو 1967، في محاولة فجة لتشويه التاريخ المشترك بين الجزائر ومصر، وفقاً لبيان صادر عن وكالة الأنباء الجزائرية (وأج) يوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025.
هذا المقطع، الذي وصفته الوكالة بأنه “فبركة رقمية بتقنيات الذكاء الاصطناعي”، يُمثل حلقة جديدة في سلسلة من المناورات الإعلامية التي تهدف إلى زرع الفتنة بين الشعبين الشقيقين، وتشويه الذاكرة الجماعية العربية.
تأتي هذه الحملة في وقت تُعزز فيه الجزائر ومصر علاقاتهما الثنائية، خاصة بعد دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى وحدة القوة العربية خلال القمة العربية الأخيرة، مما يثير تساؤلات حول الجهات التي تخشى هذا التقارب وتسعى لتقويضه.
في هذا المقال، نستعرض تفاصيل هذا التجاوز الإعلامي، ردود الفعل الجزائرية، والحقائق التاريخية التي تُبرز عمق الأخوة بين البلدين، مع تسليط الضوء على الدور الحاسم للجزائر في دعم مصر خلال الحروب العربية-الإسرائيلية.
التضليل الإعلامي: “العربية” وفبركة تصريحات عبد الناصر
اتهمت وكالة الأنباء الجزائرية قناة “العربية” بتزوير التاريخ من خلال بث مقطع مزعوم يُظهر جمال عبد الناصر، الرئيس المصري الراحل، وهو يقلل من دور الجزائر في حرب الستة أيام عام 1967، مؤكدة أن هذا المقطع “ليس سوى فبركة رقمية” تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتضليل الرأي العام.
إقرأ أيضا:تحميل امساكية رمضان 2024/1445 هجري في الجزائر pdfوأوضحت الوكالة أن مثل هذه التصريحات، لو كانت صحيحة، كانت لتجد طريقها إلى الصحافة العالمية أو الأرشيفات الرسمية أو خطب عبد الناصر الموثقة، لكنها غائبة تماماً، مما يؤكد زيف المقطع. عبد الناصر، الذي كان من أبرز الداعين لوحدة الأمة العربية ومناهضي الصهيونية، ظل سنداً قوياً للجزائر منذ استقلالها عام 1962، حيث دعم ثورتها واستضاف قادتها، وشارك في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (OAU) مع الرئيس الجزائري هواري بومدين.
هذا التاريخ المشترك يجعل المقطع المزعوم محاولة واضحة لتشويه إرث عبد الناصر والعلاقات الجزائرية-المصرية، في سياق يُثير شكوكاً حول الجهات المستفيدة من هذا التضليل، خاصة مع إشارة الوكالة إلى “الجار الغربي” الذي “ارتمى في أحضان التطبيع الصهيوني”، في إشارة واضحة إلى المغرب.
الدور الجزائري في حرب أكتوبر: تضحيات وأخوة راسخة
رداً على هذه الحملة، أكدت وكالة الأنباء الجزائرية على الدور الحاسم للجزائر في دعم مصر خلال الحروب العربية-الإسرائيلية، خاصة حرب أكتوبر 1973، التي تُعدّ رمزاً للتضامن العربي.
وأشارت الوكالة إلى شهادات الضباط المصريين الذين يُثنون دائماً على الدعم المالي والعسكري الجزائري، حيث أرسلت الجزائر وحدات عسكرية، بما في ذلك سلاح الجو والمدرعات، للقتال إلى جانب الجيش المصري على جبهة قناة السويس.
إقرأ أيضا:تحذير من نشر أخبار كاذبة حول موت الماشية المستوردةكما استحضرت الوكالة باعتزاز تضحيات الجنود الجزائريين الذين استشهدوا دفاعاً عن الأشقاء المصريين، والخسائر الكبيرة التي ألحقوها بالعدو الإسرائيلي بفضل صمودهم. ومن أبرز المحطات التاريخية التي أبرزتها الوكالة، مبادرة الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي سافر شخصياً إلى موسكو لتأمين الأسلحة للجيش المصري، متكفلاً بتكاليفها من خزينة الدولة الجزائرية، في خطوة عكست الأخوة الراسخة بين البلدين. هذا الدعم، الذي شمل أيضاً مساعدات مالية ولوجستية في حرب 1967، يُفسر المحبة الكبيرة التي يكنه الشعب المصري للجزائر، والتي تتجلى في استقبال الجزائريين بحفاوة في القاهرة وغيرها من المدن المصرية، مما يجعل محاولات “العربية” لخلق قطيعة بين الشعبين “خطة خبيثة” تهدف إلى ضرب ركيزتين أساسيتين في العالمين العربي والإفريقي.
استهداف الوحدة العربية: من يخشى التقارب الجزائري-المصري؟
طرحت وكالة الأنباء الجزائرية تساؤلات حول الجهات التي تخشى التقارب بين الجزائر ومصر، خاصة في ظل دعوات الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوحيد القوة العربية، التي تجد صدى قوياً في السياسة الجزائرية المناهضة للإملاءات الإمبريالية.
وأشارت الوكالة إلى أن هذه الحملة تأتي في سياق تاريخي يُظهر الجزائر كداعم ثابت للقضايا العربية، منذ استقلالها عام 1962، حيث وقفت إلى جانب مصر في حرب 1967 بإرسال قوات ومعدات، واستمرت في دعم القضية الفلسطينية والرفض القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
إقرأ أيضا:الرئيس تبون يعلق على قرار ترامب بخصوص رفع قيمة السلع الجمركيةهذا الموقف المبدئي، الذي يتماشى مع مواقف مصر الناصرية، يُزعج الجهات التي تسعى لإضعاف الوحدة العربية، وفقاً للوكالة، التي ألمحت إلى دور “الجار الغربي” (المغرب) في دعم هذه الحملات، خاصة بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل عام 2020. كما انتقدت الوكالة توظيف “العربية” لتصريحات شخصيات جزائرية، حيث تُقتطع هذه التصريحات من سياقها وتُستخدم لخدمة أجندات سياسية، بينما أكدت أن هذه الشخصيات تتحدث بدافع الوطنية والصدق، لكن القناة تُحرف كلامها لتصوير الجزائر كمعادية لوحدة العرب.
خط تحريري منحاز: سجل “العربية” في تشويه الحقائق
لم تُخفِ وكالة الأنباء الجزائرية استياءها من الخط التحريري لقناة “العربية”، التي وصفتها بأنها “معروفة بحملاتها الدعائية” التي تشوه الوقائع وتُعيد صياغة التاريخ لنشر “سموم الانقسام” داخل الوطن العربي.
وأشارت إلى أن هذه الحادثة ليست الأولى، حيث سبق للقناة أن استهدفت الجزائر بحملات تضليلية، سواء من خلال تقارير مغلوطة عن الوضع السياسي الداخلي أو بمحاولات زرع الخلاف مع دول عربية أخرى.
هذا السجل، وفقاً للوكالة، يجعل “العربية” أداة لخدمة أجندات خارجية تهدف إلى النيل من الذاكرة العربية المشتركة، خاصة في ظل الدور المحوري للجزائر ومصر في دعم القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية. وأكدت الوكالة أن الشعبين الجزائري والمصري، اللذين صيغت أواصر أخوتهما بالنضال والدم، لن يسمحا لمقاطع مفبركة بطمس هذا الإرث، مشددة على ضرورة اليقظة الإعلامية لفضح هذه المحاولات.
الجزائر ومصر.. أخوة عصية على التزوير
في الختام، تُمثل حملة قناة “العربية” محاولة يائسة لتشويه العلاقات التاريخية بين الجزائر ومصر، لكن الحقائق التاريخية، من دعم الجزائر لمصر في حروب 1967 و1973 إلى مبادرات هواري بومدين، تظل شاهدة على أخوة راسخة لا تُمحى بفبركات رقمية.
وتدعو وكالة الأنباء الجزائرية الشعوب العربية والمثقفين إلى اليقظة لفضح التضليل، مؤكدة أن الرهان اليوم يتجاوز صورة بلد، بل يمس كرامة الأمة وذاكرتها. مع استمرار الجزائر في دبلوماسيتها المبدئية ودعم مصر للوحدة العربية، تبقى هذه العلاقة صخرة صلبة في وجه الدسائس، ودليلاً على أن التاريخ لا يُزور، والأخوة الجزائرية-المصرية ستبقى رمزاً للنضال والتضامن العربي.