كشفت مصادر مطلعة أن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) بدأ مساعي حثيثة لفتح صفحة جديدة مع الاتحاد الجزائري لكرة القدم، وذلك عقب القرار التاريخي الذي أصدرته محكمة التحكيم الرياضي الدولية (التاس) لصالح الجزائر في القضية المثيرة للجدل المتعلقة بقميص نادي نهضة بركان المغربي. ويأتي هذا التحرك في ظل مخاوف من تعرض الكاف لعقوبات محتملة بسبب ما اعتبرته المحكمة الدولية إقحاماً للسياسة في الرياضة، الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة للوائح واللعب النظيف.
وفي تفاصيل هذه القضية البارزة التي شغلت الرأي العام الرياضي الإفريقي، تقدم كل من الاتحاد الجزائري لكرة القدم ونادي اتحاد العاصمة بطعن رسمي لدى محكمة التحكيم الرياضي، مطالبين بإلغاء قرار لجنة الاستئناف في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الصادر في أبريل 2024، والذي كان قد أيد المصادقة السابقة على قمصان نهضة بركان المستخدمة خلال منافسات كأس الكونفدرالية الإفريقية للموسم 2023/2024. حيث اعتبر الجانب الجزائري أن هذه القمصان تحمل رسالة سياسية تتمثل في خريطة توضح الصحراء الغربية كجزء من المغرب، وهو ما يُعد مخالفاً لقوانين اللعبة ولوائح الاتحادين الإفريقي والدولي لكرة القدم.
وعقدت محكمة التاس جلسة استماع عبر تقنية الفيديو في 13 نوفمبر 2024، حيث لم تبد أي من الأطراف المعنية اعتراضاً على حقيقة أن القمصان محل النزاع تحتوي على خريطة جغرافية للمغرب تضم أراضي الصحراء الغربية، وأن هذه الخريطة لا تتطابق مع الخريطة الرسمية المعتمدة لدى منظمة الأمم المتحدة. وبعد دراسة مستفيضة للملف، توصلت هيئة التحكيم في المحكمة الدولية إلى أن تضمين هذه الخريطة على القمصان الرياضية يُعد بمثابة رسالة أو دعاية سياسية، كونها تعكس تأكيداً على سيادة إقليمية لا تزال محل نزاع دولي ولم يتم تسويتها بعد.
واستندت المحكمة في قرارها على العديد من النصوص القانونية، أبرزها لوائح معدات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (المادة 1.03) وقوانين اللعب الصادرة عن المجلس الدولي لكرة القدم (القانون رقم 4)، والتي تنص صراحة على أنه يجب ألا تتضمن أي معدات رياضية، بما في ذلك القمصان، أي محتوى ذي طابع سياسي. كما أكدت المحكمة أن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ملزم بموجب نظامه الأساسي ولوائحه بضمان الحياد السياسي وتطبيقه بصرامة في جميع المنافسات التي يشرف عليها.
وبناءً على هذه الحيثيات القانونية، خلصت هيئة التحكيم في محكمة التاس إلى أن قمصان نادي نهضة بركان المستخدمة في كأس الكونفدرالية 2023/2024، لاحتوائها على خريطة ذات طابع سياسي، تشكل مخالفة صريحة للوائح الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. وعليه، قررت المحكمة إلغاء قرار الكاف السابق القاضي بالموافقة على هذه القمصان، وقبول الطعن المقدم من الاتحاد الجزائري لكرة القدم، مع الإشارة إلى أن هذا القرار لا يؤثر على نتائج كأس الاتحاد الإفريقي للموسم المنصرم.
وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة اعتبرت أن طعن نادي اتحاد العاصمة غير مقبول من الناحية الإجرائية، حيث رأت أن الاتحاد الجزائري لكرة القدم وحده هو من استنفد جميع الإجراءات القانونية اللازمة قبل اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي، وهو ما يعني أن النصر القانوني في هذه القضية يعود بالدرجة الأولى إلى الاتحاد الجزائري لكرة القدم.
وفي ضوء هذا القرار الذي يمثل سابقة قانونية مهمة في تاريخ القضاء الرياضي الإفريقي، تشير المصادر إلى أن مسؤولي الكاف باتوا يسعون جاهدين للتقرب من الجزائر وفتح قنوات اتصال جديدة معها، في محاولة لتجنب أية عقوبات محتملة قد تطالهم في المستقبل على خلفية هذه القضية. ويبقى السؤال المطروح حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين الجانبين، وما إذا كانت هذه المساعي ستنجح في تجاوز الخلافات السابقة وتأسيس شراكة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والالتزام الصارم باللوائح والقوانين المنظمة للعبة الشعبية الأولى في القارة السمراء.