تشتعل الأجواء في البلاطوهات الرياضية الجزائرية حاليًا بانتقادات حادة وهجوم عنيف على الحكم الدولي مصطفى غربال، بعد أخطائه التحكيمية في مباراة مولودية الجزائر وأولمبيك أقبو ضمن الجولة 21 المؤجلة من الدوري الجزائري، والتي أُقيمت يوم 15 أبريل 2025.
الأخطاء التي ارتكبها غربال، والتي شملت احتساب ركلة جزاء مثيرة للجدل لصالح أقبو، إلغاء هدف “شرعي” للمولودية، وطرد قائد المولودية أيوب عبد اللاوي، أثارت غضب جماهير المولودية ودفعت المحللين والإعلاميين إلى تصعيد لهجتهم، لدرجة أن بعضهم طالب بإبعاد غربال عن المشاركة في كأس العالم للأندية المقررة في صيف 2025، وهو المحفل الذي كان مرشحًا للمشاركة فيه ضمن قائمة حكام الفيفا .
الانتقادات: بين الحقيقة والمبالغة
لا شك أن أخطاء غربال كانت واضحة وأثرت على نتيجة المباراة، التي انتهت بخسارة مولودية الجزائر بهدف نظيف، مما دفع لجنة التحكيم التابعة للاتحاد الجزائري لكرة القدم إلى إيقافه حتى نهاية الموسم الحالي، مع حرمانه من إدارة نهائي كأس الجزائر بين اتحاد العاصمة وشباب بلوزداد . هذا القرار يعكس خطورة الأخطاء التي ارتكبها، لكن ما يثير الجدل هو ردة الفعل الإعلامية التي تجاوزت النقد الموضوعي إلى المطالبة باستبعاده من محفل عالمي كبير مثل كأس العالم للأندية. بعض الإستديوهات الرياضية راحت تنقل فيديوهات أخطاء غربال وتطالب الفيفا مباشرة بإبعاده، وهو ما يُعتبر مبالغة تفتقر إلى المهنية والموضوعية، خاصة أن الحكم الجزائري يُعد من الأفضل في القارة الأفريقية، حيث سبق له إدارة نهائي “القرن” بين الأهلي والزمالك في 2020، وحظي بإشادة واسعة في مباريات كأس أمم أفريقيا .
موازنة بين الأخطاء والإنجازات
الحكام الكبار حول العالم ارتكبوا أخطاء فادحة في محافل أكبر من مباراة محلية، مثل نهائيات كأس العالم أو دوري أبطال أوروبا، دون أن يصل الأمر إلى المطالبة بإبعادهم من بطولات عالمية. على سبيل المثال، الحكم البلجيكي فرانك دي بليكر أثار جدلًا كبيرًا في كأس العالم 2010 بقراراته المثيرة للجدل في مباراة إسبانيا وهولندا، لكنه استمر في مسيرته التحكيمية . أما في الجزائر، فإن الانتقادات التي طالت غربال تذكّرنا بالهجوم الذي واجهه المدرب جمال بلماضي سابقًا بعد إخفاقات المنتخب الجزائري، حيث وصل الأمر إلى المطالبة برحيله رغم إنجازاته التاريخية، مثل التتويج بكأس أمم أفريقيا 2019. بلماضي نفسه تساءل ذات يوم: “هل فعلاً نحن الجزائريون نحب الخير لبعضنا البعض؟”، وهو سؤال يتردد صداه اليوم مع الحملة ضد غربال.
الموضوعية والمهنية: غائبان عن المشهد
ما يثير القلق هو تخلي بعض الإعلاميين عن الموضوعية والمهنية في التعامل مع قضية غربال. الانتقاد حق مشروع، لكن أن تصل الأمور إلى المطالبة بإبعاد حكم جزائري من محفل عالمي، بينما كنا في السابق نحتفل بمشاركة حكام جزائريين في كأس العالم في غياب المنتخب الوطني، هو أمر يُظهر عاطفة مفرطة تطغى على العقلانية. هذا النهج يذكّرنا بما حدث مع المرحوم محي الدين خالف، المدرب الجزائري الأسطوري، الذي تعرض لانتقادات لاذعة حتى في يوم وفاته، مما يعكس ثقافة نقدية تفتقر أحيانًا إلى التوازن والتقدير للإنجازات.
الحكم مصطفى غربال أخطأ في مباراة المولودية وأقبو، وهو ما استحق عليه العقوبة من الاتحاد الجزائري، لكن المطالبة بإبعاده من كأس العالم للأندية تُعد ردة فعل مبالغ فيها تفتقر إلى الموضوعية. الإعلام الرياضي الجزائري مطالب اليوم بإعادة النظر في أسلوب تعامله مع الأخطاء، والتركيز على النقد البنّاء الذي يدعم أبناء البلد بدلاً من تحطيمهم. إذا كنا ننتقد بشدة حين يُخطئ أحدهم، فلنكن أيضًا منصفين في تسليط الضوء على إنجازاته، لأن غربال، رغم أخطائه، يبقى فخرًا للتحكيم الجزائري على الساحة الدولية.