كرة القدم

إنقلاب فرنسي على إسماعيل بن ناصر ليس بسبب مستواه

بن ناصر ميلان

إسماعيل بن ناصر، نجم خط وسط المنتخب الوطني الجزائري، ليس مجرد لاعب كرة قدم استثنائي، بل رمز للالتزام والأخلاق العالية التي جمعت بين احترافيته الرياضية وحرصه على قيمه الدينية. خلال سنواته في الدوري الإيطالي، حيث دافع عن ألوان إمبولي ثم ميلان، لم يكن ارتداؤه لسراويل طويلة تغطي الركبة – كجزء من التزامه الديني – محل نقاش أو انتقاد.

على العكس، حظي بتقدير واسع من الجماهير والإعلام الرياضي الإيطالي، الذين أشادوا بانضباطه وأدائه المميز داخل الملعب، فضلاً عن احترامهم لحريته الشخصية. كان بن ناصر مثالاً حياً للتعدد الثقافي الذي يزدهر في أوروبا حين يُقابل بالانفتاح والتفهم.

لكن الصورة انقلبت رأساً على عقب بعد انتقاله إلى أولمبيك مارسيليا في الدوري الفرنسي. رغم الاستقبال الحار من جماهير النادي الجنوبي، بدأت أصوات تنتقد اللاعب تتعالى، ليس بسبب أدائه الرياضي فحسب، بل بسبب خياراته الشخصية التي كانت مقبولة تماماً في إيطاليا.

بعض الصحف والمواقع الإلكترونية الفرنسية وجهت سهامها نحو لباسه “الشرعي”، معتبرة إياه “مخالفاً لقوانين اللعب”، في ادعاء يفتقر إلى أي أساس قانوني، إذ لم يُشكل هذا اللباس أي إشكالية طوال سنوات لعبه في “الكالتشيو”. بل إن بعض التعليقات تجاوزت النقد الرياضي لتربط بين تراجع مستواه في بعض المباريات وهذا الاختيار، في محاولة واضحة للتقزيم والتشكيك لا تخلو من نبرة تمييزية.

هذه الانتقادات لم تأتِ من فراغ، بل تندرج ضمن سياق أوسع يعكس موقفاً متشدداً من بعض المؤسسات ووسائل الإعلام الفرنسية تجاه التعدد الديني والثقافي. ففي شهر رمضان الماضي، رفض الاتحاد الفرنسي لكرة القدم السماح بتوقيف المباريات لدقائق معدودة عند موعد الإفطار، وهو تقليد معمول به في بطولات أوروبية أخرى مثل الدوري الإنجليزي.

هذا القرار، الذي بدا للكثيرين غير مبرر، أرسل رسالة مفادها أن احترام شعائر اللاعبين المسلمين ليس أولوية في فرنسا، على عكس ما يحدث في دول أوروبية مجاورة.

ما يثير الاستغراب أكثر هو أن هذه المواقف تُغلف أحياناً بصبغة مهنية أو قانونية، لكنها تحمل في طياتها نظرة ضيقة الأفق، إن لم تكن عنصرية مقنعة، تجاه اللاعبين المسلمين. إسماعيل بن ناصر ليس الحالة الوحيدة؛ فالعديد من اللاعبين المسلمين واجهوا تعليقات مماثلة بسبب لباسهم أو ممارسة شعائرهم، في ظاهرة تكشف عن تحدٍ أعمق يواجه التعددية في الملاعب الأوروبية.

بن ناصر، الذي يشهد له الجميع بأخلاقه الرفيعة وجديته داخل وخارج الملعب، لا يستحق هذه المعاملة. إنه لاعب استطاع أن يوفق بين قيمه الدينية واحترافيته الرياضية، ليصبح نموذجاً يُحتذى به. بدلاً من توجيه الانتقادات غير المبررة، ينبغي للإعلام والمؤسسات الرياضية الفرنسية أن تحتفي بمثل هذه الشخصيات التي تثبت أن الاختلاف لا يتعارض مع النجاح. ففي النهاية، كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل فضاء إنساني يفترض أن يعكس قيم التسامح والاحترام، لا التمييز والإقصاء.

السابق
عبد القهار قادري يتألق ويلفت انظار بيتكوفيتش للعودة للمنتخب الوطني
التالي
رفيق مصالي: المنتخب الجزائري حلمي وأعمل بجد لتحقيقه

اترك تعليقاً