أخبار

وزير الداخلية الفرنسي : الجزائر تريد “البحث عن إذلال فرنسا”

وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، الذي اتهم الجزائر علانية بـ"البحث عن إذلال فرنسا"

تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية موجة من التصعيد الدبلوماسي الخطير، حيث تبادلت الدولتان اتهامات وردود فعل قوية في الأسابيع الأخيرة، مما أثار مخاوف من تدهور العلاقات الثنائية التي كانت تعاني أصلاً من توترات متكررة منذ سنوات. جاءت هذه الأزمة الأخيرة بعد تصريحات مثيرة للجدل لوزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، الذي اتهم الجزائر علانية بـ”البحث عن إذلال فرنسا”، وذلك خلال مقابلة تلفزيونية على قناة “سي نيوز” الفرنسية. هذه التصريحات لم تكن مجرد تعبير عن رأي شخصي، بل تعكس حالة من الاستياء المتبادل بين البلدين، والتي تعود جذورها إلى تاريخ طويل من العلاقات المعقدة التي لم تتعافَ تماماً من آثار الاستعمار الفرنسي للجزائر.

التوتر الحالي بين الجزائر وفرنسا ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لعلاقة تاريخية مليئة بالتوترات والمشاكل التي لم تُحل بشكل كامل. فبعد أكثر من ستة عقود على استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962، لا تزال القضايا المتعلقة بالذاكرة التاريخية والاعتذار عن جرائم الاستعمار تشكل عائقاً أمام تطبيع العلاقات بين البلدين. تصريحات وزير الداخلية الفرنسي جاءت في سياق متوتر، حيث اتهم الجزائر بمحاولة “إذلال فرنسا”، وهو تعبير يعكس نظرة استعلائية من جانب الفرنسيين تجاه الجزائر، كما يرى الكثير من المحللين. هذه التصريحات تأتي أيضاً في أعقاب حادثة توقيف الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، الذي يحمل الجنسية الفرنسية، عند عودته إلى الجزائر. وقد اعتبرت فرنسا أن توقيف صنصال، الذي يُعرف بانتقاده للسلطات الجزائرية، محاولة من الجزائر للتدخل في شؤونها الداخلية والتأثير على قرارات العدالة الجزائرية.

إلى جانب قضية صنصال، شهدت العلاقات بين البلدين تصعيداً إضافياً بعد حادثة ترحيل مهاجر جزائري من فرنسا إلى الجزائر، حيث قامت السلطات الجزائرية بإعادته إلى فرنسا في نفس الرحلة. هذه الحادثة أثارت غضب الجانب الفرنسي، الذي رأى في ذلك إهانة لسيادته وقراراته الأمنية. من جهة أخرى، تعتبر الجزائر أن فرنسا تتعامل مع قضايا الهجرة والجنسية بشكل انتقائي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواطنين جزائريين يحملون الجنسية الفرنسية. هذه الحادثة تعكس أيضاً الإشكالية العميقة المتعلقة بالهوية والانتماء، حيث لا تزال فرنسا تعتبر نفسها دولة استعمارية سابقة لها الحق في التدخل في شؤون مستعمراتها القديمة، بينما ترى الجزائر أن هذه النظرة يجب أن تتغير لبناء علاقة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل.

تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان جاءت لتؤكد أن النظرة الفرنسية تجاه الجزائر لم تتغير بشكل جذري، رغم مرور أكثر من ستين عاماً على استقلال الجزائر. فقد أشار لودريان إلى أن فرنسا لن تسمح لأي دولة بأن تتدخل في شؤونها الداخلية، وهو تصريح يعكس استمرار النظرة الاستعمارية التي ترى فرنسا من خلالها أنها دولة عظمى لها الحق في فرض إرادتها على الآخرين. هذه النظرة تتعارض مع تطلعات الجزائر لبناء علاقة متوازنة مع فرنسا، تقوم على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.

التصعيد الدبلوماسي الأخير بين الجزائر وفرنسا يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها كل منهما. فمن ناحية، تعتبر فرنسا أن الجزائر تحاول استعادة دورها الإقليمي من خلال تعزيز علاقاتها مع دول إفريقية وأوروبية أخرى، مما يهدد المصالح الفرنسية في المنطقة. ومن ناحية أخرى، ترى الجزائر أن فرنسا لا تزال تتعامل معها بنظرة استعمارية، مما يعيق بناء علاقة حقيقية تقوم على الاحترام المتبادل. في هذا السياق، يمكن أن يؤدي التصعيد الحالي إلى مزيد من التوترات، خاصة إذا استمرت فرنسا في تبني سياسات تعتبر من قبل الجزائر تدخلاً في شؤونها الداخلية.

في النهاية، يبقى مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية مرهوناً بقدرة البلدين على تجاوز الإرث الاستعماري وبناء علاقة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ففي الوقت الذي تسعى فيه الجزائر لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، يجب على فرنسا أن تعيد النظر في سياستها تجاه الجزائر، وأن تتعامل معها كشريك متساوٍ وليس كدولة تابعة. فقط من خلال الحوار والتفاهم المتبادل يمكن للبلدين تجاوز الأزمات الحالية وبناء علاقة مستقبلية قائمة على الثقة والتعاون.

السابق
دراجي يكشف كواليس علاقته بالمدربين السابقين للخضر وتفاصيل وساطته مع حاليلوزيتش
التالي
على خطى السلطات الجزائرية .. بيتكوفيتش يقاضي فرنسا مجددا

اترك تعليقاً