مستقبل غزة بين راهن ضاغط ومستقبل مفتوح
25 أغسطس 2021 - 07:14

وليد عبد الحي : مصر والمكانة الاستراتيجية

 تتقاطع النظريات الجيوسياسية والجيواستراتيجية – في تقديري- عند نقطة ” المركز” في تحليل بنية وتفاعلات النظام الدولي، ففي النظم الاقليمية ثمة مركز تتنازع عليه دول الاقليم ولكنه يستقر بقدر ما عند دولة من دول الاقليم،ويتعذر فهم التحولات العميقة في الاقليم بعيدا عن تحولات الدولة المركز.

وبالمقابل فان النظام الدولي يرتكز على قوى “مركزية او قطبية ” تحدد الاتجاه الاعظم لتفاعلات هذا النظام، ولا شك ان هناك تأثير متبادل  بين مركزية الدولة الاقليمية (او القطب الاقليمي)  وبين الاقطاب الدوليين على مستوى النظام الدولي بل وحتى العالمي( حيث يصبح المجال اوسع باشتمال النظام على الدولة وما دون الدولة وما فوقها).

ولكي ندلل على هذه المسألة ، سأحاول رصد المكانة المصرية منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن، ويكفي المقارنة بين مكانة مصر وتأثيرها( بغض النظر عن النظرة السياسية المعيارية لهذا التأثير) خلال مراحل ثلاث هي: المرحلة الناصرية حتى عام 1970، والمرحلة الساداتية حتى نهاية عهد مبارك 2011، والمرحلة الحالية بعد الانقلاب العسكري عام 2013.

1- المشهد الثقافي:

 لو حصرنا  اسماء الادباء والمفكرين والاعلاميين  والفنانين على اختلاف ميادينهم السينمائية او المسرحية او الموسيقية او الرسم والنحت…الخ في كل الدول العربية، ثم تتبعنا نسبة انتشار كل شريحة في كل الدول العربية خلال الفترة من 1950-1970 تقريبا، وقارنها بفترة 1970 الى 2011 ثم من 2013 الى الآن، (وهناك اطروحة دكتوراة حول هذا الموضوع)، فاننا نجد ان اسماء طه حسين ونجيب محفوظ  ويوسف وهبي واحمد شوقي وحافظ ابراهيم وام كلثوم وعبد الوهاب ومحمد حسنين هيكل واسماعيل ياسين وعمر الشريف ويوسف شاهين واحمد فؤاد نجم وصلاح شاهين  وسيد قطب و محمود شلتوت  يتبوءون المراكز الأولى مقارنة بنظرائهم في أي بلد عربي، فلو اخذت أي اديب عربي من خارج خريطة الثقافة المصرية وحسبت تواجده في المكتبات او في مناهج التعليم العربية  لوجدت ان نسبة تكراره في أدبيات الدول العربية عامة  متدنية مقارنة  مع نظرائه المصريين (بغض النظر عن الاسباب أو المستوى).. ذ لك يعني ان المشهد الثقافي العربي في الحقبة الناصرية كان يتشكل مصريا بفعل ما خلقته المرحلة الناصرية او بفعل استثمارها لأدباء ينتمون لمرحلة قبلها ، ثم بدأ هذا المشهد يتوارى يوميا، الى ان وصلنا الى المرحلة الحالية التي جعلت مصر تقبع في المرتبة 64 من بين 70 دولة (تضم 85 من سكان العالم) طبقا لمقياس البروفيسور جيرت هوفشتيد الذي يقيس تأثير ثقافة الدولة على الذات وعلى الآخرين استنادا لستة معايير ثقافية، مع ضرورة التنبيه الى ان وزن  التأثير شي وتقييم التأثير (جيد او سيء ) شيء آخر..ونحن هنا معنيون بوزن التأثير لا بتقييمه.

فإذا ذهبنا الى التعليم واعتبرنا الجامعات مؤشرا كافيا، سنجد ان مركز الجامعات المصرية يتراجع باستمرار عربيا ودوليا، فقد احتلت جامعة القاهرة المرتبة العاشرة عربيا(التسع جامعات العربية الاولى قبلها  كلها خارج مصر) واحتلت المرتبة 558 عالميا بتراجع حوالي 50 مرتبة منذ  عام 2000.

ذلك يعني ان مرحلة ما بعد الناصرية عربيا لم تعرف ظواهر منفردة كان لها تأثير كبير على باقي الدول العربية إلا في حالات محدودة ، فقناة الجزيرة –في تقديري وبغض النظر عن بعض مضامينها- شكلت زلزالا اعلاميا عربيا، واصبحت ذات وزن تأثيري كاسح على المشهد الاعلامي العربي الى الحد الذي اصبح الاعلامي المصري بجوارها قزما  ، لكن دولتها –قطر- لم تغادر دور الدولة الوظيفية رغم ان هذا الدور الوظيفي يتذبذب بين حين وآخر ويستثمر القناة لتحسين الدور الوظيفي لا أكثر، فليس لقطر القدرة على دور ” القطب الاقليمي” مهما انتفخت.

2- في المشهد السياسي:

 يمكن القول بان الناصرية سبقت كل الدول العربية في طرح النموذج الاشتراكي(بغض النظر عن تقييم هذا النموذج)، ثم بدأ ينتشر هذا النموذج بفعل قوى ذاتية ولكن ايضا بفعل مساندة ناصرية تنقلب احيانا الى منافسة بل وعداء احيانا، لكن النموذج نفسه توسع ليشمل اغلب الدول العربية الرئيسية والتي تمثل 70% من مجموع العرب، كما ان مصر كانت حاضرة وبفعالية(بغض النظر ثانية عن تقييم الدول،فنحن معنيون بوزن الدور) في الثورة الجزائرية واليمنية والفلسطينية وفي تغذية حلم الوحدة العربية وتعميق ثقافة العدالة الاجتماعية وتحرير المرأة وفكرة التصنيع …الخ ، ثم بدأ هذا الدور  بعد المعاهدة مع اسرائيل يتوارى تدريجيا، بل انقلب الى نموذج ” للسخرية” واضطراب داخلي تمثل في قتل السادات، اسقاط حسني مبارك رغم انفه ودفن اوهام التوريث التي رافقته ثم انفجار الصراع الداخلي الدموي بعد الانقلاب العسكري الذي اجتث اول انتخابات ديمقراطية نزيهة في العالم العربي، وعادت فكرة الحاكم المؤيد من 99% من الشعب والتي زرعها عبد الناصر وسرت في اوصال العالم العربي  للظهور ثانية مع ضباط جدد ولكنهم ليسوا من ” الضباط الاحرار”..وهكذا احتلت مصر المرتبة 168 في معدل الاستقرار السياسي من بين 194 دولة، وبمعدل  استقرار سياسي يساوي 42% عام 2020. 

3- لكن الامر يستحق التساؤل:

 اليس  تحول بل وزوال الإرث الناصري من مصر دليل على عدم تجذر هذا النظام في الوعي المصري الا من باب العاطفة لا الوعي، واليس فشل النموذج الاخواني(لاسباب داخلية او خارجية) هو المقدمة للتراجع المتلاحق وبكيفية شبه خطية للحركات الاسلامية في العالم العربي ، فهي اما في سجون أعدائها القدامى أو سجون حلفائها القدامى او تستظل بعباءة البراغماتية العربية والدولية…لكن ذلك يوصلنا الى الخلاصة..أن مصر هي القاطرة  العربية بعيدا عن اية تشنجات اقليمية ، غاب عبد الناصر فغابت الاشتراكية والوحدة العربية تدريجيا في كل الدول العربية ( مع الاقرار ان الغياب ليس سببه الوحيد غياب الناصرية)، وغاب العداء لاسرائيل في النظام المصري فاصطف العرب طابورا للتطبيع المتتالي، وغابت القاطرة فتحركت ” السبنسة” ، وكذلك ضرب الاعصار  تنظيم الاخوان المسلمين في مصر، فامتدت موجات الاعصار الى كل تنظيم للاخوان في الاقطار العربية ، …فلا نظام اقليمي عربي بدون مصر، ولا مكانة مصرية دون هذا النظام الاقليمي…ربما.

مقالات ذات صلة

  • مستقبل غزة بين راهن ضاغط ومستقبل مفتوح

    الثالوث المستقبلي والنظام الدولي

    16 أغسطس 2022 - 11:14

    صباح الخير والربح شيرين عبد اللاوي

    28 أغسطس 2021 - 15:41
    مستقبل غزة بين راهن ضاغط ومستقبل مفتوح

    تشويه الصورة بإستهداف المدنيين

    27 أغسطس 2021 - 10:37

    عبد الرزاق بوكبة – فنجان قهوة : ” راني مشتاق وليس جيعان”

    25 أغسطس 2021 - 10:49

اترك تعليقا

تصنيفات
خدمة نيوز