الرؤية

هكذا رد الرئيس الشاذلي على قضية التطبيع


بعد التوقيع على اتفاقيات كامب دافيد بين القاهرة وتل أبيب، أنفتح باب تطبيع العلاقات مع إسرائيل واسعا أمام بعض الأنظمة الإفريقية. وكانت إفريقيا قد عبّرت عن تضامنها مع القضية العربية، بعد حرب أكتوبر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني كحد أدنى، والتصويت على لوائح صدرت في المحافل الدولية لصالح القضية الفلسطينية. 

وذهبت بعض البلدان إلى أبعد من ذلك وأوقفت تعاملاتها الاقتصادية مع الشركات الإسرائيلية. وكان التبرير المنطقي الذي يقدّمه القادة الأفارقة لعودة العلاقة مع إسرائيل غير قابل للرد: وقفنا معكم حين كنتم في حاجة إلينا، أما الآن فبعد أن عادت العلاقات بين مصر والأردن والمغرب وبعض دول الخليج إلى مجاريها مع إسرائيل، فنحن لا نرى مانعا في عودتها معنا. وبالفعل، كثّفت إسرائيل من تغلغلها الاقتصادي والعسكري في القارة السمراء. وكان الرئيس الزائيري موبوتو لا يخفي ذلك، وأشرفت إسرائيل على تدريب جيشه وتجهيز قواته الأمنية. وكانت إفريقية الشمالية، ومنها الجزائر، ضمن إستراتيجية الاحتواء الإسرائيلية.

لكم سعت إسرائيل بحثا عن تطبيع علاقتها بالجزائر، لكن كل ما بذلته من جهد في هذا المجال، عن طريق دول وسيطة، لم يفض إلى أيّ نتيجة. كانت الجزائر في طليعة الدول العربية في دعمها للجهد العربي المبذول لتحرير الأراضي المحتلة، وتجلّى ذلك في عدوان جوان 1967، وحرب أكتوبر 1973، وفي تأسيس جبهة الصمود والتصدي، وفي احتضان بلادنا لأشغال المجلس الوطني الفلسطيني، وفي الدعم اللامشروط للقضية الفلسطينية. وكانت إسرائيل تراهن على كسر جدار المقاطعة المضروب عليها في الجزائر، شعبيا ورسميا. لذلك لم تتوقف محاولات الاختراق الإسرائيلية، بطرق مباشرة وغير مباشرة، للتأثير فى موقف الجزائر والسعي لتغييره في الاتجاه الذي يخدمها.
وجرت معي عدّة محاولات، في عدّة مناسبات، لكن بلا جدوى. ومن تلك المحاولات ما قام به الطبيب الذي كان يعالجني من انزلاق غضروفي في بروكسيل. حين أُصِبْتُ في حادث بانزلاق غضروفي، في جويلية 1986، كان لا بدّ من علاجه عاجلا؛ فاقترحت عليّ عدة بلدان، لكني رفضتها واخترت بلجيكا. ثم قيل إن الطبيب المختص يهودي، فأجبت متسائلا باستغراب، وأين المشكل، أليس الطب أخلاقيات؟.
اسم الطبيب اليهودي بيروتشي، وقد اعتنى بي عناية خاصة، وانعقدت بيننا في أثناء العلاج، وأثناء الرقابة الطبية بعد ذلك، صداقة حميمة؛ هي في الحقيقة علاقة الأُلفة المعروفة بين طبيب ومريضه. وقد أُعجبت بالنظام الصحي البلجيكي، الشيء الذي دفعني إلى التوقيع على اتفاقية في المجال الطبي مع بلجيكا، ما زالت سارية إلى اليوم.
ذات يوم قال لي بيروتشي، بعد تردّد: “سيادة الرئيس…الإسرائيليون يريدون فتح خط مع الجزائر”. تظاهرت بأني لم أسمع، فأعاد قوله مضيفا: “يريدون تطبيع علاقتهم معكم”. أجبته بما يقتضيه الموقف: “فليكتبوا رسالة توضيحية”. وكنت، في الحقيقة، أريد كسب الوقت للتفكير في ملابسات وخفايا القضية. في حصة علاجية أخرى عاود بيروتشي طرح الموضوع قائلا: “هم موافقون على كتابة الرسالة، وإرسال مبعوث إلى الجزائر لشرح المسألة أكثر”.
وحضر المبعوث، بالفعل، وكان في استقباله في المطار العربي بلخير. بلغتني الرسالة، ويفهم منها أن إسرائيل تنوي ربط علاقات مع الجزائر، في كافة المجالات. أحلتُ الرسالة إلى وزير الخارجية، مع ملاحظة لا يمكن للجزائر أن تُقيم علاقات مع إسرائيل، ما لم تعترف هذه الأخيرة بحقوق الشعب الفلسطيني. وطوّي الملف.”
عبد العزيز بوباكير

السابق
وترجل الفارس عصام فعرى نظام الفساد والظلم
التالي
رابطة حقوق الإنسان تدعو للإلتفاف حول الوطن

اترك تعليقاً