ثقافة ومجتمع

مررت من هنا

جلست في الحديقة العمومية كالعادة من يوم الاثنين. الجو كان ربيعيا ويبعث على التفاؤل كانت نظراتي تحلق في المكان كعصفور سعيد بالربيع.
استنشقت الهواء العليل وأحسست براحة وتصالح مع نفسي  و ما هي إلا لحظات حتى سمعت صوتا دافئا  .                                                                                                                                                                                                                       
يقول هل لي أن أشاركك المقعد؟؟. 
أجبت نعم :بكل تأكيد.

كانت شابة في الثلاثينيات بهية الطلعة في وجهها  حسن  يبعث في النفس الراحة  .تأملتها قليلا كأني أعرفها من قبل  مع أنه أول لقاء بيننا. قالت :أنا أحلام ومن أنت؟ أجبتها: صوفيا.                                                    

  قالت :في  أي طور تدرسين؟ قلت في الثانوية قالت جيدا أنا عاملة في مركز البريد. حملت الحقيبة  الزهرية وأخرجت منها رسالة قالت  أتعلمين لمن هاته الرسالة؟ قلت: لا طبعا وكيف لي أن اعرف قالت إنها لي بعد حلم سبع سنوات وجدت نصفي الآخر لكنه رحل بدون سبب وترك فراغا جارحا التقيته في هاته الحديقة وفي هذا المقعد  كلما سمحت لي الفرصة  يعود بي الحنين فاطمح أن ألتقيه مرة أخرى كان وسيما ممشوق القامة عيناه سوداوان وشعره حريري أسود صوته دافئ جدا وراقي في تعامله مع المرأة حتى أني ظننته أنه توأم روحي  كان يحمل مواصفات رجل أحلامي إنسان مثقف يعرف دروب الحياة وصنوف الأدب هو كثير الترحال كما قال لي اسمه وسيم .لم يكن من هاته المدينة بل محض صدفة وعمل جاء به  لمدينتنا .لم يعدني بالزواج ولم يعبر لي عن حبه بل سرق مني كياني ووجداني بتلك الزيارة. أنا لم أحدثك عن ابتسامته فهي تخطفك كما يخطف الطفل بسحره قلب والديه … في تلك الأمسية دعوت خالقي أن يمتد الزمن وتطول الساعات أكثر وأكثر. أحسست أني فراشة تحط على كتفه نظراته جارحة تجمع بين الرجولة والثقة بالنفس في اليوم التالي إلتقيته في نفس المكان وفي نفس الوقت ترك لي هاته الرسالة  وركب سيارته وذهب مسرعا.  قالت: أتراه يعود ويمر من هنا؟…. علما أني لم اقرأ الرسالة فهي لا تهم  بل المهم روحه التي أذابت قلبي.
 قلت :هل أحببته ؟تعجبت من الأمر.. فقط لقاء بعض  الساعات  ولمجرد أنك احتفظت بهذه الرسالة كذكرى  منسية
 قالت :نعم هو طيف وحلم جميل سأعيش على ذكراه .كثيرون يمرون في حياتنا وننسى أوصافهم حديثهم شخصياتهم مند التقيته لم أحفظ أوصاف  رجل غيره.                                                                                                                                                                                                                                   
انصرفت أحلام ,وهي على أمل أن تلتقي بفارس أحلامها, وأنا أهذي  بكلمات هل تراه الحب يلدغ  القلوب ويأسرها ؟؟هل هو جميل يصنع فرحه لحظة ويعذب لسنوات ؟أو مجرد قصة عابرة نحكيها على مقاعد الحدائق ؟هل الحب يختار أو نحن من نختاره؟؟.
بعد شهرين قادتني ظروفي إلي مركز البريد وجدتها هناك كانت الطوابير تنتظر الرواتب أنا لم أكن بعد عاملة ويحق لي استخراج مرتبي بل فقط إرسال طرد إلى العاصمة لوحت لها  بيدي فعرفتني أعجبتني هذه الخصلة فيها فهناك الكثيرات يصبهن زهايمر مبكر ,أو أنهن يدَعين ذلك.
 تذكرت في نفس الوقت الرجل صاحب الرسالة .تبادلنا التحية  وفضولي دفعني أن أسالها
هل عاد؟؟ قالت: لا . وهل مازلت تنتظرينه ؟.احذري أن تصابي بنوبة اكتئاب..
أجابت: حقا ..ل”ا تخافي حبيبتي
قلت: لماذا لا تجربي الفضاء الأزرق؟ فيمكن أن تجدي صورته على جدران الفايس بوك .
قالت: أنا لا أعلم عنه شيئا وهل تراه متهور ليعبث مع المراهقين في هذا الفضاء الوهمي؟
 قلت  :لماذا ممكن أن يكون الفايس تافها لكن هناك من يحسن استعماله للأحسن .
قالت: حسن سأجرَب…… خرجت من البريد وانصرفت في حيرة  ,لماذا هذه الشابة تحيرني؟ هل هي لغز أم تراها عادية كالبقية؟ لها مبدأ لا تشبه مثيلاتها اللاتي لا يعذبن أنفسهن لأنهن اخترن أقصر الطرق ليصلن إلى نتيجة حتمية ولا يجازفن في  العلاقات غير المحسومة النتيجة .
 لماذا لم تقرأ الرسالة هل تعاني من فوبيا الرسائل ؟ هل خافت أن يكون متزوج أي< لا مكانا لها في العائلة أم أنها تخاف أن يقول لها انه مرتبط بغيرها”. …  إلى متى تبقى عزباء ولا تتزوج حقا أنها تعاني في صمت فالزواج مرتبط بوقت  الإنجاب حزنت لأمرها كلما تعمقت في الحكاية أكثر …
في وقت الراحة بين الحصص في الثانوية لما كان الجرّس يرن اجتمع مع صديقاتي الفصل فشغلهن الشاغل الشباب والماكياج وتسريحات الموضة وآخر ماركات العطور أتذكرها وأقول هي حقا شجاعة ولا تشبه البقية  صدقت “>أحلام مستغانمي حينما قالت أي علم هذا الذي لم يستطع حتى الآن أن يصنع أصوات من نحب في أقراص  أو زجاجة دواء نتناولها سرا عندما نصاب بوعكة عاطفية بدون أن يدري صاحبها كم نحن نحتاجه”  . 
بقلم  حنان صحراوي
التالي
حنان صحراوي : قبل أن يسدل الستار

اترك تعليقاً